ربـــــــــــــاب Admin
المساهمات : 38 تاريخ التسجيل : 27/06/2009
| موضوع: ألمانيا والمسلمون.. من يدمج الآخر وكيف؟ السبت يونيو 27, 2009 7:29 pm | |
|
المانيا والمسلمون...من يدمج الأخر وكيف؟ بقلم : د. حسن أبوطالب
يقال أن في السفر سبع فوائد, وبالقطع هي أكثر من ذلك بكثير. يكفينا منها, إلي جانب متع الاكتشاف والنظر والتأمل, متعة الاستزادة في المعرفة وسبر غور حياة الآخرين وملامسة خبراتهم الحياتية العامة والخاصة علي السواء, وهو ما يدفعنا كثيرا إلي التساؤل: لماذا تقدم هؤلاء ولماذا بقينا نحن في حالنا الأقل مستوي والأكثر مشكلات؟
وفي الجولة السابعة للحوار المصري الألماني حول إدارة التنوع, والتي أشرنا إليها في المقال المنشور بتاريخ13 مايو الجاري, كان علينا أن نتعرف علي واحدة من أكثر المشكلات الحياتية في ألمانيا إثارة للقلق العام والخاص علي السواء, ونعني بها مشكلة دمج المسلمين في المجتمع الالماني الذي لم يكن استعماريا في تاريخه, واحتفظ حتي قبل خمسة عقود بنقائه العرقي والديني المسيحي, فإذا به يجد نفسه في مواجهة جماعة من المسلمين أتت من أكثر من بلد في الشرق الأوسط وأسيا وأفريقيا, ولكنها تحمل الجنسية الألمانية, وتتعدد خلفياتها الاجتماعية والعرقية, وتتباين طريقة تعبيرها في التمسك بالقيم الإسلامية.
ومن الطبيعي أن تسمع عبارة' المسلمون في ألمانيا مشكلة كبري', ويزيد البعض بأن الإسلام نفسه بما فيه من نظام قيم يمثل مشكلة للدولة التي تلتزم رؤية علمانية تفصل بين الدين والدولة كما هو الحال في ألمانيا. وبعض هذا التقييم السلبي نابع من التأثر بحملات الاعلام الغربية التي تركز علي أحداث العنف في بلاد المسلمين المختلفة, وكذلك من الأخطاء الجسام التي يرتكبها بعض المسلمين سواء في ألمانيا أو في خارجها نتيجة عجزهم عن التعبير عن قيم الإسلام السامية, مما تسبب في تشويه صورة الدين واتباعه, وبرر لرافضيه حملات الإساءة وإثارة الكراهية.
وبعض رجال الدين المسيحيين في ألمانيا يتساءلون: هل يستطيع المسلمون بطريقتهم في عبادة الله تعالي أن يتعاملوا مع المسيحيين ويأسسوا معا مجتمعا مشتركا يتعايش فيه الطرفان ويكون لكل منهم نفس الحقوق والواجبات. وفي المقابل هل يقبل المسيحي حقوق المسلم ويتعايش معها, وهل يمكن أن يبني الطرفان المجتمع المثالي, ولكن هناك خطيئة, فما هو موقف المسلمين منها؟. تساؤلات تعكس حجم المشكلة فكريا وسياسيا وسلوكيا.
إذن ألمانيا ليست استثناء من القاعدة التي تسود الغرب, وإن كانت تحاول أن تبحث عن حل لتلك المشكلة ينبع من داخلها ويشترك في وضعه المسلمون الذين يعيشون فيها, وغالبيتهم من تركيا جاءوا كمهاجرين في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية ثم أقاموا وحصلوا علي الجنسية وباتوا مواطنين, غير أن نسبة كبيرة منهم لا تعتبر نفسها معنية بتقاليد وتراث المجتمع الألماني العريقة, بما يقود إلي حالة اغتراب جماعي إلي حد ما, ويولد مخاوف لدي الطرف الآخر, أي الأغلبية أصحاب البلاد الأصليين المتوحدين في الخلفية العرقية والسلوك العام والالتزام بالدستور. وفي واحد من استطلاعات الرأي التي اجراها معهد الينسباخ لاستطلاعات الرأي في مايو2006, أتضح أن الألمان يشعرون بالتهديد من الاسلام طالما أن تابعيه يتزايدون بينهم, وفي الوقت نفسه فإن استعدادهم للتعامل المتسامح تجاه العقيدة الإسلامية آخذ في النقصان. ووفقا لهذا الاستطلاع فإن56% من الألمان يرون أن هناك صداما للثقافات يحدث بين المسيحية والاسلام, بينما كانت النسبة قبل عامين46% فقط. وهناك نسبة58% من المواطنين الألمان يتخوفون من التوترات مع المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا. و46% من الالمان يتوقعون هجمات ارهابية في المستقبل القريب. و83% من السكان الألمان لديهم رؤية سلبية للمسلمين ويعتقدون أنهم متطرفون, بينما كانت النسبة قبل عامين75%. ويخلص معهد الينسباخ إلي أن نتائج الاستطلاع تعكس حالة عدم ثقة متزايدة بين السكان التقليديين وبين المسلمين, خاصة حين يتمسكون ببعض عادات من قبيل القتل لأسباب تتعلق بالشرف, ويتوقع المعهد أن يحدث نوع من الصدام الحلزوني في المستقبل القريب. وفي مداخلة للبروفيسور كريستيان ترول, استاذ الدراسات اللاهوتية, أشار إلي أن المسلمين عاشوا لفترة طويلة في مجتمعات منعزلة وبعيدة عن التجمعات السكنية وعن المدن الكبري, إذ تشكلت مجتمعاتهم بهدوء في المناطق الصناعية علي حدود المدن, ولذا لم يشعر بهم الألمان الأصليون. أما الآن فالوضع بات مختلفا, إذ هم موجودون في قلب المدن الكبري ومنتشرون في كل مكان, وصارت مساجدهم واضحة للعيان. وبات علي المجال العام في القانون والسياسة والإدارة أن يراعي المسلمين وأن يعكس أيضا أسس عقيدتهم. ومن هنا تولد خوف الألمان الاصليين من المسلمين. خوف أن يغير المسلمون أسسا تقليدية عاش عليها المجتمع الألماني لزمن طويل. وقد
ساعدت التطورات الخارجية من قبيل هجمات11 سبتمبر2001 في الولايات المتحدة, وردود الفعل العنيفة في عدد من البلدان الإسلامية علي الرسوم المسيئة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم, علي زيادة مشاعر القلق من وجود المسلمين داخل ألمانيا.
المسلمون من جانبهم, الذين يصل عددهم إلي3.5 مليون نسمة غالبيتهم العظمي من أصول تركية, يعيشون في خوف مضاد, فهم يخافون علي نمط حياتهم وعلي هويتهم, ونظرا لما يتعرضون له من عمليات تمييزية في الحياة اليومية في المواصلات وفي العمل وفي مجالات الاحتكاك الاجتماعي المختلفة, تولد لديهم حرص علي حماية هويتهم الدينية والثقافية, ورفض لما يرونه ثقافة غربية غير مناسبة يسعي أصحابها إلي ذوبانهم داخلها.
في هذه البيئة الاجتماعية والنفسية والسياسية المليئة بمشاعر متضاربة, تفاعلت ديناميات العلاقة المعروفة تاريخيا بين الأقلية والأغلبية, فمن جانب الأقلية بدأت مطالب بالحماية والدفاع عن الذات والتمسك بحقوق الإنسان, ومن جانب الأغلبية زادت دعاوي ومطالب فرض القواعد العامة علي الأقلية أو أن تترك البلاد. غير أن العقلاء من الجانبين بدأوا يطرحون صيغة التفاهم المشترك بدلا من صيغة التمييز والمعايير المزدوجة ومشاعر الخوف الجماعي المتضاربة. أو بعبارة أخري الدعوة إلي صياغة عقد اجتماعي واضح المعالم يحدد العلاقة بين الدولة والمجتمع الألماني من جهة ومجتمع المسلمين من جهة أخري. وهنا نشات فكرة' مؤتمر إسلام ألمانيا'.
ووفقا لتنظيم المؤتمر الذي يهدف إلي بلورة عقد اجتماعي او قانون ينظم علاقة الدولة بجماعة المسلمين الألمان, هناك ثلاث لجان عمل, لكل منها وظيفة محددة, الأولي تعني بالنظام الاجتماعي في ألمانيا ومنظومة القيم محل التوافق, وكيف يمكن للمسلم أن يعيش في ظل هذا النظام الذي تشكل نتيجة خبرة أوربية ألمانية ذاتية. والمعضلة الأساسية هنا هي كيفية التوفيق بين نظام القيم الألماني الذي يصونه الدستور ويتوافق عليه الألمان التقليديون, ونظام القيم الإسلامي والممارسات التي يتمسك بها المسلمون. أما اللجنة الثانية فتعني بالقضايا الدينية والفهم الألماني للدستور, وتعالج تحديدا كيفية الموائمة بين الدستور والممارسات الاسلامية, وقضية تنظيم بناء المساجد وإدارتها بحيث تكون آلية من آليات الاندماج لمسلمي ألمانيا في ثنايا المجتمع. أما اللجنة الثالثة فتعني بوسائل الإعلام والقطاع الخاص وكيف يمكن أن يلعبوا دورا ايجابيا في بناء الجسور بين المجتمع الألماني التقليدي والمجتمعات الإسلامية الوافدة.
وبالرغم من أن هذه اللجان توصلت إلي بعض الاستنتاجات الايجابية, فالطريق ما زال طويلا, فجماعة المسلمين الألمان متفرقون فيما بينهم, وينقسمون بين ملتزمين وأصوليين ومدنيين ومتأثرين بمجتمعهم الجديد, لكن الغالب أن كل جماعة مسلمين فرعية ما زالت تري نفسها معنية اكثر بالتواصل مع مجتمعاتها الأصلية وليس مع المجتمع والقانون الألماني الذين يعيشون في كنفه.
إن فكرة العقد الاجتماعي أو القانون الذي ينظم علاقات الدولة بجماعة دينية معينة هي التي يتوصل إليها الطرفان عن قناعة ونتيجة حوار متكافئ. فإرادة تنظيم العلاقة ليست غريبة عن المجتمع الألماني, فالدولة هي التي تحدد دور الكنيسة في الشأن العام من خلال قانون خاص. والفكرة التي تسعي إليها الدولة الألمانية من وراء' مؤتمر إسلام ألمانيا' هي ذاتها التي سبق أن نظمت علاقة الدولة بالكنيسة, أي قانون يتم التوصل إليه عبر حوار معمق مع مجتمع المسلمين الألمان. صحيح أن الدولة الألمانية علمانية, أي تفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي, لكنها كما يقول بروفيسور كيربر ماركوس المسئول الكبير في وزارة الداخلية الفيدرالية والمسئول عن مؤتمر إسلام ألمانيا, ليست دولة تنكر الدين, فألمانيا بلد الاصلاح الديني وحرب الثلاثين عاما ودستور1949, وهي دولة تتعاقد وتتعاون مع المجموعات الدينية وتمنحهم حق إقامة المرافق الدينية الخاصة بهم, وتتعاون مع المجموعات الإسلامية التي تهتم بهذا النموذج, إنها علمانية لا تؤدي إلي الإضرار بأحد الطرفين; لا الدولة ولا الدين, بل توفق بينهما بالحوار والقناعات المشتركة.
| |
|